صعدة برس -
صدر مؤخرًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتابٌ نوعي للباحث والاقتصادي دبوان عبد القوي الصوفي بعنوان (العشرية السوداء للاقتصاد اليمني: دراسة تحليلية لآثار الحرب على الاقتصاد خلال الفترة 2011–2021)، وهو من أبرز الإصدارات التي ترصد بالأرقام والوثائق والتحليل العلمي حجم الكارثة الاقتصادية التي ألمّت باليمن في ظل الحرب والانقسام المؤسسي خلال عشرية مضطربة أنهكت الدولة والمجتمع.

الكتاب يأتي في وقتٍ تشتد فيه الحاجة إلى فهم ما جرى في الاقتصاد اليمني، لا سيما مع ازدياد التعقيدات الناتجة عن انهيار العملة، وتدهور معيشة السكان، وتآكل المؤسسات الرسمية، وغياب الحلول الفعلية.
يتعامل الكتاب مع الاقتصاد اليمني كمنظومة معقدة تشكّلت خلال عقود ما قبل الحرب، ثم تصدّعت بصورة مفاجئة وشاملة نتيجة الصراع المستمر منذ عام 2014. وبدلًا من الاكتفاء بالسرد العام أو الاتهامات السياسية، اختار المؤلف أن يغوص في الأرقام والتحليلات الدقيقة، ليقدّم ما يمكن وصفه بـتوثيق علمي لانهيار اقتصادي في سياق حرب طويلة الأمد.
في 211 صفحة من القطع المتوسط، يغطي الكتاب أهم المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ويقارن بين مرحلة ما قبل الحرب (2001–2010)، ومرحلة الحرب والانقسام (2011–2021). ويقدم دراسة تحليلية معمقة تقوم على المنهج الوصفي والتحليلي، وتستند إلى أكثر من 80 رسمًا بيانيًا و60 جدولًا إحصائيًا.
ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول ففي الفصل الأول: يستعرض البيئة السياسية اليمنية قبل الحرب، متتبعًا ضعف بنية الدولة، وتآكل المؤسسات، وتصاعد الأزمات السياسية والاجتماعية التي مهدت لانفجار الصراع. كما يشير إلى أن غياب الرؤية التنموية، وانعدام التوافق السياسي، قد عمّقا هشاشة الدولة اقتصادياً.
اما الفصل الثاني والذي يمثل تمهيد للفصل الثالث فيرصد مؤشرات الاقتصاد اليمني في الفترة 2001–2010، حيث شهدت البلاد نموًا اقتصاديًا بطيئًا وغير مستدام، مع اعتماد مفرط على الموارد الريعية (خاصة النفط والغاز)، دون تنويع في القاعدة الإنتاجية.
وفي الفصل الثالث والذي يشكل قلب الكتاب، يغطي آثار الحرب على الاقتصاد في الفترة من 2011 حتى 2021، ويبيّن كيف أدت الحرب إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بما يزيد عن 50% خلال العقد. وفقدان نصيب الفرد من الدخل الوطني أكثر من نصف قيمته (من 1,200 دولار في 2014 إلى أقل من 500 دولار في 2021).وتضخم مفرط نتيجة طباعة العملة دون غطاء. وتدهور سعر الصرف بأكثر من 500% في بعض المناطق. كما يرصد الكتاب انهيار القطاع المصرفي وتضارب السياسات النقدية بعد انقسام البنك المركزي. وتوقف أكثر من 60% من المنشآت الصناعية، وانهيار سلاسل الإنتاج والتصدير. وتراجع الإنتاج الزراعي بنحو 45%، وخروج ملايين الهكتارات من الخدمة.
كما يتناول ايضا في هذاء الفصل الآثار الاجتماعية للحرب، ومنها ارتفاع نسبة الفقر إلى 82.7% في عام 2021 (مقابل 48.6% في 2014). وارتفاع البطالة إلى أكثر من 35%، وتزايد البطالة بين الشباب إلى مستويات مقلقة. بالاضافة الى نزوح داخلي يقدّر بـ4.3 ملايين شخص، معظمهم يعيشون دون دخل ثابت، وأكثر من 42% من الأسر النازحة لا تملك أي وسيلة دخل..
في الفصل الرابع والاخير حاول الكاتب تقدّيم مجموعة من السياسات المقترحة للخروج من الأزمة، عبر مجموعة من النقاط التي يميز فيها بين الحلول العاجلة (الإغاثية) والحلول الاستراتيجية (الإصلاحية)، والتي من أبرزها إعادة توحيد البنك المركزي وإنهاء حالة الانقسام المالي. وإعادة الثقة في الجهاز المصرفي من خلال توحيد السياسة النقدية والرقابة البنكية. وترتيب أولويات الإنفاق العام لصالح الخدمات الأساسية والبنية التحتية. وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية وربطها بقاعدة بيانات شفافة. وإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة) عبر خطط دعم دولي. وتحفيز الاستثمار وإعادة الإعمار وفق آلية رقابية تضمن الكفاءة والمساءلة.
لا يكتفي الكتاب بسرد ما حدث، بل يحاول أن يعيد تركيب الصورة الكاملة للواقع الاقتصادي اليمني، ويوفّر للباحثين وصنّاع القرار، والمجتمع الدولي، أداة تحليلية مهمة لفهم ما جرى، واستشراف ما يمكن فعله في قادم السنوات.
"العشرية السوداء للاقتصاد اليمني" ليس مجرد كتاب عن اقتصاد دولة مأزومة، بل هو شهادة علمية موثقة على كيف تحوّل الصراع السياسي إلى أزمة إنسانية اقتصادية كبرى. كتاب جدير بالقراءة والاقتباس، وجدير أكثر بأن يكون مرجعًا في كل مكتبة تهتم بقضايا ما بعد الحرب، والتنمية في البيئات الهشة